بدأ نزول القرآن الكريم على أمة لا تعرف القراءة والكتابة إلا قليلا، وكان أول ما نزل يحث على القراءة ، فشجع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم على تعلم القراءة والكتابة، فانطلقت وراجت حتى بلغ كتَّاب الوحي أكثر من أربعين كاتبًا، وزادت مع انتشار الإسلام ودخول الأمم فيه.
وكتب الصحابة رضوان الله عليهم القرآن بالخط السائد في الحجاز المعروف بـ (( الجَزْم )) المأخوذ من الخط الأنباري أو الحيري، وكذلك كتبت به صحف أبي بكر ومصاحف عثمان رضي الله عنهما.
ومع توسع الفتوح الإسلامية ، تحسّن الخط، وظهر ما يعرف بالخط المنسوب على يد رواد الخط العربي أمثال: قُطْبَة المحرِّر المتوفى سنة 131هـ، وأبي علي محمد بن مُقْلَة المتوفى سنة 328هـ، وأبي الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفى سنة 413هـ أو 423هـ، وياقوت بن عبد الله المستَعْصِمي المتوفى سنة 698هـ، وغيرهم.
وكان الغالب في كتابة المصاحف الخط الكوفي حتى القرن الخامس الهجري، ثم كُتبت بخط الثلث حتى القرن التاسع الهجري، ثم كتبت بخط النسخ حتى وقتنا الحاضر.
وعندما عُرفت المطابع الحديثة في بعض البلاد الإسلامية والعربية كتركيا، ومصر، والشام، كان المصحف الشريف في مقدمة اهتماماتها، فطبع بأحجام مختلفة، إلا أنها سارت في ذلك على قواعد الرسم الإملائي الحديث حتى جاء العلامة الشيخ ((رضوان بن محمد المخَلَّلاتي )) المتوفى سنة 1311هـ ، فكتب مصحفه الشهير الذي نسب إليه وطبع سنة 1308هـ ، على قواعد الرسم العثماني.
وفي عام 1405هـ /1984م جاء إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز كأبرز مظاهر الاعتناء بطباعة المصحف الشريف.
[b]مصحف قطر:
وفي عام 2010م جاء مشروع مصحف قطر ليكون إضافة جديدة باسم دولة قطر وأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ودليلاً واضحاً على خدمة كتاب الله ، جاء ليربط ثقافة المسلمين بكتاب ربهم وخاصة أن قطر هذا العام عاصمة للثقافة العربية، وقد بدأ العمل في المشروع عام 2000م ، الذي بلغت ميزانيته 25 مليون ريال قطري ، ليتم طباعة حوالي 700 ألف نسخة من مختلف المقاسات والطبعات الفاخرة، من الحجم الجوامعي ونصف الجوامعي والحجم المتداول والربع المحبر والربع.
فكرة مصحف قطر:
التفكير في مصحف يخط ويكتب من جديد ، ويحمل اسم الدولة له مواصفاته الفريدة والمميزة جمالية الخط في روعة الفن ، ودقة الرسم والضبط بدأ أيام المحاكم الشرعية ، وقد استمرت الفكرة حاضرة في العقول والأفئدة إلى أن استضافت الدولة معرضاً للخط العربي عرضت فيه أعمال فنية على درجة عالية من الروعة، وشارك الخطاط العالمي محمد أوزجاي فيه، حيث تشرف بزيارة سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد بن عبدالله المري ، وقدم له مصحفه الذي خطه بيده على قاعدة الإمام علي القاري في رسمه فأعجب الوزير بجمال خطه ، وبدأ الإحياء لفكرة كتابة مصحف من جديد موافقاً للرسم العثماني.
ولكون مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول هو الجهة العالمية التي قامت بإحياء ورعاية فن الخط العربي ، تم التواصل بين المركز والوزارة.
مسابقة قطر العالمية لخط المصحف الشريف:
برزت فكرة المسابقة العالمية لخط وكتابة آيات الله المباركة ، وبعد أن تم التنظيم للمقترح كاملاً ، ورشح المركز أعضاء هيئة التحكيم ، وتوج ذلك كله بالموافقة السامية لأمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وذلك في 20/5/2000م ، هذا تاريخ البداية الفعلية ، وفي 3/8/2001م بدأت المرحلة الأولى: بتوجيه الدعوة إلى ( 21 ) خطاطاً رشحهم مركز الأبحاث ثم فتحت الدعوة ، وتوسعت المشاركة فتسلمت الوزارة ( 120 ) عملاً ، منها ( 13 ) عملاً من الذين وجهت لهم الدعوة ، اختارت هيئة التحكيم ( 35 ) عملاً وتم اعتبارها مقبولة على أن تجري بينها مفاضلة ، بعد المفاضلة قُبل ( 14 ) عملاً وفي التصفية بقيت ( 7 ) أعمال هي المختارة.
المفاضلة بين الأعمال السبعة:
عرضت على هيئة التحكيم المكونة من معالي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو والخطاط الكبير الأستاذ حسن جلبي ، والناقد الأستاذ الدكتور مصطفى أوردغان ، والخطاط الأستاذ الدكتور محمد سعيد شريفي ،والأستاذ محمد داود التميمي ،حيث وجه معالي الدكتور أكمل الدين رئيس لجنة التحكيم الدعوة لسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد بن عبدالله المري لحضور اجتماع اللجنة خلال الفترة من 12 – 18 /10/2002م .
وأشارت هيئة التحكيم إلى أن الأعمال المقدمة أفضل بكثير من الأعمال المطبوعة والمتداولة ، واستبعدت اللجنة أربعة أعمال من الستة واستقر الرأي على اختيار عملين فائزين وتم الإعلان عن صاحبيهما وهما عبيدة محمد صالح البنكي سوري الجنسية ، وصباح مغيديد الأربيلي عراقي الجنسية ، وحددت الجائزة بدون تعيين الأول منهما وفي 25/6/2003م تم توقيع العقد معهما بحضور أ.د محمد سعيد شريفي ، وتم تزويدهما بالملاحظات والضوابط التي يجب الالتزام بها وخلال الفترة من 18 – 20 من شهر يناير 2007 عقدت هيئة التحكيم اجتماعاً في الدوحة بكامل أعضائها ، وتم إعلان النتيجة النهائية للمسابقة من خلال مؤتمر صحفي وأُعلن عن فوز عبيدة محمد صالح البنكي بالمركز الأول ، وجاء بعده في المركز الثاني الخطاط صباح مغيديد الأربيلي.
مرحلة المراجعة :
بعد إعلان النتيجة وفوز البنكي بكتابة المصحف بدأت مرحلة جديدة حيث انتقل الإشراف على المشروع إلى الشيخ عبدالله بن عمر البكري ، وقد شهدت هذه المرحلة تشكيل لجنة المراجعة المحلية التي انتهت من المراجعة الأولى في ستة أسابيع ، وفي يوم الأربعاء بتاريخ 24/2/1428هـ الموافق 14/3/2007م عقدت اللجنة اجتماعها بحضور المشرف على المشروع والخطاط عبيدة البنكي ، وتم التنبيه على الملاحظات العلمية ، وأبدى الخطاط استعداده للأخذ بها وتنفيذها ، وفي الفترة من 22-28/6/2007 تم تكليف المشرف على المشروع بمهمة السفر إلى القاهرة والاجتماع بلجنة المراجعة بالأزهر الشريف والتشاور معهم بخصوص التدقيق والمراجعة ، وعليه فقد اجتمع مع فضيلة شيخ عموم المقارىء المصرية ورئيس لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر أربعة اجتماعات ، عملية مطولة بعضها بحضور جميع أعضاء لجنته ، وكان في صحبة المشرف الشيخ عبدالله ولد سليمان عضو اللجنة المحلية ، والأستاذ عبيدة البنكي ، أبدت لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر ملاحظات مهمة منها :
-إعجابهم الشديد بخط المصحف ، ووصفه بأنه تحفة فنية وأنه من المصاحف النادرة.
-اتفقت لجنة الأزهر مع اللجنة المحلية في ضرورة تصحيح بعض المواضع من قبل الخطاط.
-رأت اللجنة أن من المصلحة أن يراجع مرة ثانية في هذه الفترة تتلوها مرة أخرى عند مجيئها إلى الدوحة ، وبعدها بذل الخطاط جهده ليكمل ما بدأ بتصحيح ما طُلب منه ، ودخل المصحف مرحلة جديدة بالبحث عن مكان مناسب يقوم على طباعته بعد كل ما بُذل فيه من جهود مضنية حتى يخرج للناس في صورة رائعة تليق به.
المراجعة الخارجية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية :
في 11/3/2008م اجتمعت لجنة طباعة "مصحف قطر " مع رئيس لجنة التصحيح بالأزهر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي ، وقرر فضيلته بصفته رئيساً للجنة التصحيح أن مستوى التصحيح الأخير في درجة الامتياز ، واقترح فضيلته الشيخين سلامة كامل جمعة، والشيخ حسن عيسى المعصراوي للقيام بالتصحيح خلال الطباعة في تركيا، وإرسال النسخ مباشرة إليه في القاهرة فور الطباعة للتأكد من سلامة العمل ، وأن يبدأ العمل بالمقاس الجوامعي يليه نصف الجوامعي فالربع ، فصدر القرار الوزاري رقم ( 36 ) لسنة 2008م بتشكيل لجنة شرعية لمراجعة وتدقيق " مصحف قطر " وفي المادة ( 3 ) تختص اللجنة بالإشراف العلمي على مراحل الطباعة ومراجعة وتدقيق الطبعة التجريبية، وإحالتها للجنة مراجعة المصاحف بالأزهر ، وتحملت اللجنة المسؤولية ففي المادة رقم ( 5 ) تعتبر اللجنة مسؤولة مسؤولية فردية وتضامنية عن كل خطأ أو تقصير في أداء العمل على الوجه الأكمل.
وفي تاريخ 15/ 2/1430هـ الموافق 10/ 2/2009م، تم بحمد الله وتوفيقه الحصول على إذن التداول ليخرج المصحف في أبهر صورة تجمع بين جمالية الفن ودقة الضبط ، ولتبدأ عملية الطباعة في العاشر من مارس الجاري في المقاسات الخمسة التي تم الاتفاق عليها.
تركيا لطباعة مصحف قطر:
سافر وفد من الوزارة إلى بيروت للاطلاع على المطابع ، والوقوف على قدرتها على تنفيذ المشروع ، وبعد طبع عينات منه ،سافر الوفد كذلك إلى استانبول حيث زار المطابع المؤهلة وطبعت كذلك عينات منه " جزء عمّ " ثم تمت المقارنة واستقر الأمر على الطباعة في تركيا نظرا للفروق الواضحة التي وجدتها اللجنة في مطابع تركيا.
الدفعة الأولى:
وصلت الدفعة الأولى من مصحف قطر وعددها يقارب 30 ألف نسخة قادمة من تركيا حيث تمت كتابته وطباعته، والمصحف له 4 أحجام مختلفة ابتداء من حجم الجيب المعروف وثلاثة أحجام أخرى اكبر.
تدشين المشروع:
يوم الثلاثاء 23ربيع الأول 1431هـ الموافق 9/3/2010م سوف يكون بإذن الله تعالى تدشين مصحف قطر ، وبدء توزيعه على أهل القرآن ، هدية غالية من قطر إلى الأمة الإسلامية.